“دودة” هي شركة زراعية ناشئة بعثت بدافع الشغف وحب الأرض بفضل جرأة ومثابرة ثلاثة أصدقاء طفولة تونسيين ينتمون إلى عائلات متجذرة في القطاع الفلاحي. واليوم تبرز “دودة” كشركة ناشئة رائدة في إفريقيا وشركة معترف بها عالميّا خاصة بفضل مشاركتها في المنصة الدولية للحشرات المعدة للاستهلاك البشري والحيواني (IPIFF).
وفي هذه المساحة يكشف السيد علي العباسي وهو أحد مؤسسي هذه الشركة عن أصول هذه المغامرة الريادية وتحدياتها. وقد شرح أيضا المقاربة التي اعتمدها الأصدقاء الثلاثة في هذه التجربة من خلال التركيز على الابتكار والاستدامة إضافة إلى تسليط الضوء على دور شركة ” دودة ” في مكانة تونس من خلال موقعها كشركة رائدة في هذه الصناعة.
البدايات
وفي هذا السياق قال السيد علي العباسي: ” كانت نشأة شركة ” دودة ” مبنيّة على قاسم مشترك بين ثلاثة أصدقاء طفولة وهم عزيز الكواش وعمر الوزير وأنا وهو الشغف بالفلاحة والرغبة المشتركة في أن يكون لنا تأثير إيجابي. فنحن ننحدر جميعا من عائلات لها جذور عميقة في القطاع الفلاحي. وقد لعب ارتباطنا بهذه الصناعة دورا رئيسيا في ولادة شركتنا الناشئة. وكانت نقاشاتنا في المعهد تدور دائما حول الحلول المستدامة والأفكار المبتكرة في مجال الفلاحة . ومن هنا جاءت الأسس التي بنينا عليها في ما بعد شركة ” دودة “. وبالرغم من أننا خضنا مسارات مختلفة في باريس ولندن وأتلانتا فقد ظل حلمنا بالعودة إلى تونس للمساهمة في تنمية البلاد قائما على الدوام. وقد زادت خبراتنا وتجاربنا المهنية المتنوعة في صناعة الحيوانات الأليفة و الهندسة المالية واللوجستية في إثراء مهاراتنا وآفاقنا . وكان ذلك إعدادا على مواجهة التحدي المتمثل في إنشاء شركة ” دودة “. وكانت عودتي إلى تونس منذ سنتين نقطة الإنطلاق نحو تحقيق حلمنا وفكرتنا. وبالتحاق عزيز الكواش والدعم المالي الهام الذي كان من قبل ” Flywheel ” وهو برنامج يقدّم الدعم المالي والمرافقة للشركات الناشئة في تونس في مراحل مختلفة من تطوّرها بدأنا فعلا في تحويل الحلم إلى حقيقة. اليوم ومع استقرارنا في تونس فإننا على وشك تصدير منتجاتنا إلى السوق الأوروبية وذلك خلال النصف الثاني من سنة 2024. إذن يمكن القول إن هذه المغامرة هي مغامرة الابتكار الفلاحي والتأثير الإيجابي وهي مغامرة تحقيق الحلم المشترك مع ” دودة ” .”.
الحشرات مصدر بديل للغذاء ؟
وفي سياق متّصل بالمقاربة المجددة من خلال استعمال الحشرات كمصدر بديل للغذاء ورؤية المؤسسين لإمكانية أن تساهم الشركة في نحت ” فلاحة الغد ” وخلق نظام بيئي متوازن قال السيد علي العباسي: ” لقد اتخذت شركتنا الناشئة خطوة جريئة باستخدام الحشرات كمصدر بديل للتغذية والانخراط في مقاربة مبتكرة تنبئ بإعادة تشكيل الفلاحة للأجيال القادمة. و يتميز نموذجنا للفلاحة العمودية حيث تتم تربية الحشرات بتأثيره البيئي المنخفض. وتمثل هذه الممارسة التي شجعتها المنظمة العالمية للأغذية والزراعة تقدما كبيرا مع فجر صناعة ضرورية لتلبية احتياجات الغد الغذائية. وتتميز الحشرات التي تربيها ” دودة ” بأن لها بصمة مائية مخفّضة حيث أنها ترطب عن طريق التقاط رطوبة الغلاف الجوي. وهذه الطريقة تقلل بشكل كبير من استهلاك المياه مقارنة بالفلاحة التقليدية. وبالإضافة إلى ذلك فإن المقاربة التي نتبعها لا تولّد غازات دفيئة لأن الحشرات لا تمتلك نظاما أو جهازا هضميا ينبعث منه الغاز مما يساعد على الحفاظ على البيئة. وتبرز فعالية نموذجنا أيضا من خلال استخدام الأراضي إذ تسمح لنا مقاربتنا العمودية بإنتاج بروتين مكافئ مع استخدام مساحة أقل بكثير مقارنة بالفلاحة التقليدية. وهكذا نحن نتفادى إنتاج النفايات من خلال تثمين كلّ مكوّن من مكونات الحشرة من البروتين إلى الدهون مرورا بالمواد العضوية. وفي الواقع فإن ” دودة ” لا تكتفي بتلبية الاحتياجات الغذائية الحالية فحسب بل تشكل نظاما بيئيا فلاحيا متوازنا ومستداما. وتقوم رؤيتنا على المساهمة في الفلاحة الصديقة للبيئة المستعدة لمواجهة تحديات الأمن الغذائي في المستقبل.”.
تحديات المستقبل الكبرى
أما في ما يتعلّق بالتحديات الكبرى التي تطرحها مسألة التغيرات المناخية والإجراءات التي تعتمدها ” دودة ” للوصول إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة فقال السيد علي العبّاسي:” يعتمد توسيع تأثير ” دودة ” في مواجهة التحديات المناخية الحالية على زيادة قدرتنا على الإنتاج. فالحشرة التي نربيها توفّر تثمينا فعالا للمصادر ذات القيمة الغذائية المنخفضة بما يوفر بديلا تنافسيا لطرق التربية التقليدية. وهدفنا هو إنشاء قطاع لتربية الحشرات على المدى المتوسط والطويل بالتعاون مع الفلاحين المحليين. وتذهب مقاربتنا المستدامة إلى ما يتجاوز نموذج التربية الخاص بنا. ويتميز مشروع ” دودة ” بانخفاض تأثير الطاقة وغياب إنتاج النفايات والاستخدام المدروس لجميع المواد المستخرجة من الحشرات. وعلى المدى المتوسط تهدف وحدتنا النموذجية إلى أن تكون محيّدة للكربون وهذا يعزز طبعا التزامنا بالاستدامة.”.
التمويل واستراتيجية التنمية
وتحدّث السيد علي العباسي أيضا في هذا اللقاء عن الدور الذي يلعبه برنامج ” Flywheel ” في استراتيجية الشركة التنموية فقال: ” لقد لعب برنامج Flywheel دورا حيويا وهامّا في تحقيق رؤيتنا. ومن خلال تمويل جزء من المعدات لوحدتنا النموذجية الأولى ساهم البرنامج في تسريع تقدمنا وكان هذا التعاون حاسما في بحثنا وتطويرنا وسمح لنا بتعديل أساليبنا على نطاق محدود والاستعداد لإنتاج مئات الأطنان سنويّا.”.
السلامة الغذائية
أكّد السيد علي العباسي أن شركة ” دودة ” ملتزمة جدا بالمسؤولية البيئية لذلك فهي تستخدم مجموعة من المنتجات المبتكرة وتعيد اختراع طريقة إطعام الحيوانات وتخصيب التربة.
وقال في هذا الإطار : ” على سبيل المثال فإن “مزيج موليتور” خليط وظيفي مخصص لتربية الطيور والزواحف والحيوانات الأليفة الصغيرة. وبما أنه يتكون من الديدان المجففة ومن الحبوب فهو يوفر تغذية كاملة تلبي الاحتياجات الغذائية المحددة لهذه الحيوانات مع تثمين مواردنا. أما مادة “Doodeine” فهي دقيق أو مسحوق حشرات يتم إنتاجه بطريقتنا الحصرية و يمثل مصدرا عالي الاستيعاب للبروتين. ومع مستوى بروتين يتجاوز نسبة 70% فإن هذا المسحوق مرخص فيه من قبل الاتحاد الأوروبي للاستخدام في تطبيقات مختلفة من أعلاف الحيوانات إلى تربية الأحياء المائية مما يدل على رغبتنا في تنويع منتجاتنا. وهناك مثال آخر وهو “Doodfrass” الذي يستفيد من فضلات الحشرات لإنتاج سماد طبيعي ذي محتوى عضوي عالٍ. ويستخدم هذا النوع لإعادة تمعدن التربة وهو يوفر بديلا صديقا للبيئة في ما يتعلّق بالأسمدة الكيمائية ويساهم في تعزيز الممارسات الفلاحية الأكثر استدامة.”.
آفاق المستقبل ؟
ويختم السيد علي العباسي بالحديث عن تطلعات الشركة على المدى القصر والمدى البعيد فيقول : ” على المدى القصير فإن طموحنا هو الانتهاء من بناء وحدتنا النموذجية وجعل نشاطنا في أوج ذروته. ونحن نتطلع أيضا إلى إكمال عمليتنا الشاملة من البداية إلى النهاية من أجل الانطلاق في تسويق منتجاتنا. أما على المدى الطويل فنحن نهدف إلى غزو السوق الأوروبية في النصف الثاني من سنة 2024. ومن خلال استكشاف آفاق جديدة نحن نريد توسيع تأثيرنا ووضع ” دودة ” كفاعل رئيسي في الفلاحة المستدامة. ولا شكّ أن كل خطوة نتخذها اليوم تقرّبنا أكثر فأكثر من رؤيتنا طويلة المدى لمستقبل غذائي أكثر استدامة ومسؤولية… نحن نطمح إلى مواصلة الابتكار والنمو والتطوير ولعب دور مهم في تحويل الفلاحة العالمية نحو ممارسات تحترم البيئة. وفي ” دودة ” فإن كل نجاح قصير المدى هو خطوة أقرب إلى مستقبلنا المستدام والأخلاقي.”.